سهى بشـــــارة

في مقابلة مع آلاء منصور

تحرير ميرا عبدالله
تصوير أوليڤيا شنكر
تنسيق الأزياء سارة بوناب
ترجمة كالين نصرالله

في المرة الأولى التي رأيت فيها سهى بشارة، كنت طفلة، وكانت على التلفزيون الوطني. نزلت من السيارة مع ابتسامة على وجهها، وبينما كانت تنظر نحو الكاميرات، لوّحت للناظرين. كان ذلك في الثالث من أيلول/سبتمبر 1998، يوم تم إطلاق سراحها من معتقل الخيام، حيث ظلت محتجزة لمدة عشر سنوات. كان يدير المعتقل جيش لبنان الجنوبي، تحت السلطة الإسرائيلية. واعتقلت سهى بتهمة محاولة اغتيال أنطوان لحد قائد جيش لبنان الجنوبي، وهي كانت في ذلك الوقت عضواً في اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني الذي تأسس عام 1970. وأدى تحرك سهى المباشر إلى إسقاط الأفكار المسبقة التي ترسخت في الخيال الجماعي فيما يتعلق بالمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي. كبرت وأنا أسمع عن شجاعتها، وقد أذهلتني طريقة عملها: إطلاق النار على العدو من مسافة قريبة، مباشرة إلى القلب، داخل غرفة الجلوس الخاصة به، أمام زوجته – وهي تتوقّع أن يتم إطلاق النار عليها وقتلها على الفور. لم يمت العدو في ذلك اليوم. ولم تمُت سهى. نظراً لكون جسدها نفسه موقعاً للقوة والمعرفة، فإنها تبدو لي كشخصية جذرية. لتصبح الوسيط، وتجسّدها حرفياً، تتبنّى سهى راديكالية الحرية، ويتجلّى ذلك من خلال نضالها المستمر للطبيعة غير المحدودة للفعل الثوري. كما قالت ذات مرة خلال مقابلة أجريت معها، “المقاومة ليست خياراً، لكنّها قرار، تماماً مثل فكرة أنّ العدو ليس رأياً، ولا يمكن إضفاء الشرعية على الاحتلال بأي حال من الأحوال.” بالنسبة لشخص مثلي، امرأة لبنانية من الجنوب ترعرعت في أسرة ماركسية، فإنّ تاريخاً مثل تاريخ سهى المتجسّد في ذاتها الجسدية والروحية يؤكد على الحاجة إلى إعادة تعريف محاور نضالنا الجماعي وإعادة التفكير فيها، ولكن أيضا على الحاجة الى استدعاء أشكال جديدة من القوة والقيادة. إن الاهتمام بالنفس عمل سياسي ومتشابك بشدة مع النضال من أجل الحرية. بدون هذه العناية بالذات، لا يمكن أن ينمو أي صراع، ممّا يجعل هذه الرعاية عملاً من أعمال الحفظ السياسي. تثير رحلة بشارة السياسية وتجربتها الجسدية في معتقل الخيام أسئلة حول القدرة على خلق الحياة في وضع لا يُحتمل والقدرة على تصور عوالم سياسية وثقافية مصغرة تعمل كنماذج بديلة للعمل التواصلي والمقاومة الانعكاسية. بناء الأمة رحلة لا تنتهي بمرور الوقت: فهي لا تنتهي أبداً.

​​كَيْفَ نَسْتَطِيعُ كَلُبْنَانِيِّين/ات أَنْ نَتَحَرَّرَ مِنْ قُيُودِ نِظَامُنَا الطَّائِفِيُّ وَ الْمَذْهَبِيُّ وَ كَيْفَ نَخْلَقُ فُسْحَةً لِيُصْبِحُ الفِكرُ النَّقْدِيُّ مَوْجُودًا وَبَعيدًا عَن المُعْتَقَدَاتِ الدِّينِيَّةِ وَالْخُرَافَاتِ الَّتِي تُقَدِّس الطَّائِفَةِ وَالزَّعيمِ؟

في اليوم الذي قابلتُها فيه في جنيف، أخبرتني سهى شيئاً لا تقلّل بساطته من صحّته: لا يمكن لأحد أن يحرّر شخصاً آخر.

آلاء منصور — في ظلّ الظروف الراهنة والمرحلة المظلمة التي نمرّ بها مع فيروس كورونا وتداعياته، كيف تصفين هذا الواقع وما هو تصنيفك للمصطلحات المتعلّقة به كمصطلح “حجر” أو “تباعد إجتماعي”؟

سهى بشارة — على الشخص أن يحدّد الفرق في استخدام هذه  الكلمات التي إمّا تُستخدم لحماية الأفراد أو تُستخدم بهدف فرض سلطة معيّنة. من الصحيح أن الكلمات المستخدمة هي نفسها، لكن قد يكون لها دلالات مختلفة؛ قد يدلّ الحجر على السجن “داخل حيطان أربعة” و “منع تجوّل” و “التباعد”، والخروج المشروط، ونهاية فترة الحجر، وقبلها، وإعادة دمج الشخص في المجتمع حيث يعود للتعرّف على الناس مجدّداً ولكن ضمن أوقات محدّدة. كما قد تدلّ هذه المصطلحات على الإعتقال، وهذا أمر مختلف. إلى الاعتقال، تذهبين بنفسك من خلال اختيارك للعملية أو نوعيتها أو آلياتها. ولكن، منذ لحظة دخول عالم الاحتجاز والبعد والمسافات حيث يصبح من الممنوع على الشخص أن يتواصل مع الآخرين حتى من زنزانة إلى أخرى، يصبح للسجن هدفاً واحداً وهو جرّ السجين الى مرحلة حيث لا يفكّر بأي شيء إنساني غير الأكل والشرب والنوم. في المعتَقَل، يحاولون أن يقتلوا في داخل الشخص حتّى الحلم بالحرية.

آلاء — بما أنك تحدّثت عن معتقل الخيام وعن حلم الحرية، في كتاب “أحلم بزنزانة من كرز” تتحدّثين عن حلم السجين. كيف تصفين هذه الحرية؟

 سهى — شخصياً، بما أنني على صراع مع هذا العدو، تحوّل الاعتقال إلى شكل آخر من المقاومة. بالتالي، كان السجن بالنسبة لي معركة مع العدو الذي يريد أن يضعني داخل جدران، وأن يحوّل هذه الجدران إلى سجنٍ يتخطّى سجن الجسد ويمتدّ ليسجن الفكر. بالمقابل، أردتُ أن أؤكّد له أنه حتى ولو سجن جسدي لن يتمكّن من سجن عقلي. هنا كانت نواة المعركة: قدرتي على أن أحمي نفسي من هذه الجدران وكانت هذه المعركة ضرورية. بالتالي، لم أشعر مرّة واحدة أن المكان ضيّق من حولي، أو أن الزنزانة مظلمة. كنت أوسّع آفاق هذه المسافة التي يحدّدها وجود الإحتلال، فأصبحت مقاومتي عبارة عن إيجاد أشكال مختلفة لها، حتى من خلال أمثلة بسيطة كاختراع إبرة من خلال ثقب قطعة حديد صغيرة. قد يكون ثقب الحديد بالنسبة للناس شيئاً لا قيمة له، ولكن بما أن الحديد كان ممنوعاً علي، كما كان ممنوعاً علي أن أرسم وردة، تمكّنت من إدخال خيط في قطعة الحديد الذي ثقبتها ورسمت وردة بالخيط والإبرة. حتى ولو اقتلعوا هذه الوردة وأخذوا مني الغطاء، سأرسم وردة أخرى. هكذا دخلت بمعركة المواجهة المباشرة مع العدو التي حاولت أن أؤكد من خلالها على إنسانيتي وحقي بالمقاومة مقابل العدو الذي كل ما كان يمارسه كان بهدف أن يقول لي أنني لست من البشر.

آلاء — بالنسبة إلى المقاومة اليومية داخل المعتقل، إلى أي مدى ساعدتك الكتابة وأعطتك القدرة على التحمل؟

سهى — أولا، لا يمكنني التحدّث عن الكتابة داخل المعتقل إذ أنها كانت تشبه تكرار السرد لحين الحفظ. لم تكن هناك إمكانية للكتابة إذ كانت الأقلام والأوراق ممنوعة داخل المعتقل. لكننا كنّا نخاف على ذاكرة المعتقل، كان الخوف من أن نُقتل وتموت معنا كل أخبارنا. أصبح هاجسي الأكبر هو حفظ الأحداث، وبعض الجمل الصغيرة التي تعكس القصة والتي أكملتها في خيالي داخل السجن الانفرادي الذي قضيت به ستة سنوات.

بعدها، اكتشفنا للمرّة الأولى كيفية استخدام ورق الجبنة الألمنيوم كقلم، الأمر الذي اكتشفته “كفاح عفيفي” ومرّرت لي الفكرة. كنّا نطوي أغلفة الجنة الألمنيوم ونستعملها كأداة للكتابة. استخدمت هذا القلم لتفريغ الجمل على أوراق “الكراتين” حتى بلغ عددها أربع وستون واحدة. بسبب الخوف من أن تتم مصادرة هذه الأوراق من قبل الحارسات (الشرطيات) اللواتي كنّ يدخلن لمهمّة التفتيش في أوقات غير متوقّعة ويفتشنّ الزنزانة ويجرّدننا من ملابسنا، قمت بحفر الأفكار على الحائط أيضاً بطريقة صغيرة جداً، قبل أن تكتشف أمري الشرطة وتأمرني بإزالتها. أزلت الكتابات الجدؤانية، ولكن بقيت الأوراق بحوزتي. في مرّة من المرات، نظّمت ثلاث أسيرات عملية لسرقة قلم من غرفة التحقيق، وبعد نجاحهنّ أهدونني إياه. عندها، كتبت نسخة ثالثة من القصص على ورق المرحاض وبقيت هذه النسخة معي الى حين خروجي من المعتقل.

كما كنت أكتب على الملابس أو على أي قطعة من القماش وكان الأمر صعباً حيث لم تكن هناك وفرة في الأقمشة. لهذه الكتابات أهمية كبيرة بالنسبة لي، إذ أنني كنت أوثّق كل صوت أسمعه، من صوت المفاتيح إلى أصوات الخطوات وصراخ ودخول وخروج المعتقلين/ات.

 آلاء — برأيك، ما أهمية أن تُحكى هذه الذاكرة بصوت إمرأة؟

سهى — بداية، أنا أناضل من أجل الحقوق، والحقوق لا تعرّف الجندر. الحق الأسمى هو ألا يصبح النضال من أجل امراة أو رجل بل من أجل الإنسان بالمطلق. في مجتمعاتنا الشرقية، تتمحور هواجس دخول امرأة المعتقل حول الإعتداء عليها جسدياً وربط هذا الاعتداء بشرف المرأة. إذا نظرنا بشكل أوسع إلى المشكلة، نجد أنها لم تكمن في كل ما حمله الإعتقال من اعتداء وتعسّف وظلم وإهانة من قبل الإحتلال الإسرائيلي أو غيره، بل تمذ حصر هذا الإعتداء بالإغتصاب الجسدي فقط، ومشكلة المجتمع ليست بالإغتصاب نفسه، بل ببربط البكارة بشرف المرأة.أهمية أن تُحكى هذه القصص من وجهة نظر امرأة هي في التركيز على تجربة النساء في المعتقلات. من المهم تسليط الضوء على عدم حصولنا على فوط صحية، وعلى النساء اللواتي تمّ اعتقالهنّ فوراً بعد وضع مولودهنّ وعدم القدرة على التعامل مع سائل الحليب الموجود في أثدائهنّ أو سحبه منها بعد تغطية رأسها بكيس، وعلى اجبار المعتقلات المحجّبات على خلع حجابهنّ. قد تكون هذه من أقسى المشاهد التي لن يعرف الرجل التعبير عنها. من هنا تنبع أهمية كتابة تجربة المرأة داخل المعتقل بشفافية وبكل ما تتضمّن من حساسية وخصوصية.

آلاء — هل اندحر الحلم بتحقيق عدالة اجتماعية وديمقراطية اليوم؟

سهى — لا يمكن له أن يندحر، إن بناء الأوطان مسيرة لا تتوقف مع مرور الزمن. قد تنتهي المعركة ضد الاحتلال بالتحرير، لكن المعركة لبناء الوطن هي معركة مفتوحة ومستمرة. لكن البلد لم يبدأ بعد ببناء نفسه. السؤال الآن هو: متى سوف نضع حجر الأساس؟ إذا نظرنا الى الوضع الراهن في لبنان اليوم، كيف نستطيع كلبنانين/ات أن نتحرّر من قيود نظامنا الطائفي والمذهبي وكيف نخلق فسحة ليصبح الفكر النقدي موجوداً وبعيداً عن المعتقدات الدينية والخرافات التي تقدّس الطائفة والزعيم؟

أهم خطوة هي أن يبدأ الشخص بنفسه وبالتالي أن يكون هناك وضوح للعلاقة الدينية التي أعتبرها جزء من أسباب جمود العالم العربي. نحن هنا داخل صراع كبير لا أحد يريد الإعتراف به، اذ لا يمكننا أن نبني دولة قادرة على القيام بمهامها في حين أنها مبنية على أسس الدين والمذاهب والطوائف والمرجعية الشرعية. الدين هو علاقة فردية أما الدولة تترتب عليها مسؤوليات بعيداً عن الدين. و أعتبر أن رفع شعار العلمانية الآن في غير أوانه، لأن الشعب بأغلبه ليس لديه ميولاً للعلمانية. إذاً، لطالما أن الأغلبية غير معنية بهذه المعركة يجب أن يرفع شعار آخر يسمح بتأسيس دولة القانون القائمة على المحاسبة دون أي تبعية مذهبية أو طائفية.

آلاء — إذا وجدت دولة القانون، هل من الممكن أن يبدأ التغيير ونستطيع حينها أن نتكلم عن العلمانية؟

سهى — نحن بعيدين كل البعد عن هذه المعركة، ولم يكن لهذا الحراك قوة فعلية. فالحراكات الإجتماعية ككرة الثلج، تتدحرج وتكبر ثم لا نعرف الى أين تذهب وكيف تتجه. وجّهت الجمعيات المسار الى حدّ ما لكن الجمعيات تحمل عناوين محددة ولا يمكن للبلد أن ينطوي تحت عنوان واحد؛ لا نستطيع بناء بلد فقط على موضوع حقوق المرأة أو حماية الأطفال. أعتقد أن الأحزاب هي من عليها حمل شعار التغيير وخوض المعارك. لكن أين الأحزاب اليوم، وما نفع الحزب من دون جمهور؟ حتى اليسار والحزب الشيوعي اليوم يعيشان على الأطلال وليس هناك أي خطاب جديد لا يستحضر من الماضي. بالمبدأ، لست ضد هذا لكن يجب بالحد الأدنى أن يكون لكل حراك هدف واضح. يعاني اليسار اليوم في كل دول العالم من أزمة في المفهوم الإقتصادي، وأزمة في الإستهلاك، وأزمة في الانتاج.

“لَا أَظُنّ أَنَّ الفِلَسْطِينِيّين يَنْتَظِرُونَ أحَد لِتَحْرِيرِ أرْضِهِمْ. […] التَّحرِيرُ سَيَأتِي مِن دَاخِل فِلَسْطِين.”

آلاء — إلى أي مدى مصيرنا في لبنان معلق بالقضية الفلسطينية؟ وكيف يمكن أن نكمل معركة تحرير فلسطين في ظل أنظمة الاستبداد القائمة؟

سهى — لا أظن أن الفلسطينيين ينتظرون من أحد تحرير أرضهم. أحد الأخطاء التي وقع فيها العالم العربي هي حين اعتبر نفسه ممثلاً وحاملاً لقضية تحرير الأراضي الفلسطينية. هذا لن يحصل لأنه ليس باستطاعة أحد تحرير أحد، لا بإسم العروبة ولا القومية العربية ولا بإسم أي انتماء، التحرير سيأتي من داخل فلسطين.

القضية الفلسطينية تتخطى موضوع الصراع العربي الإسرائيلي لتعكس أزمة المجتمع الدولي الذي يقف متفرجاً. لقد استقال من مهمته الأساسية في تأمين السلام العام. لا يمكن تحقيق السلام بوجود شيء يسمى “الفيتو”، حق التصويت بالرفض في مجلس الأمن، والدولة الوحيدة التي تفرض نفسها على هذه التركيبة الشائكة هي فلسطين. واجبنا يقبع هنا، ليس لأن فلسطين عربية أو لأن الصراع هو صراع وجود وليس حدود، بل لأن القضية الفلسطينية وحدها تمثل قضايا دول العالم بأكمله ممّا أنشأ عصبة الأمم وتحول لهيئة الأمم المتحدة.

آلاء — عملية محاولة اغتيال أنطوان لحد كانت عملية راديكالية إن صح التعبير، أن تكوني وجهاً لوجه مع العدو وتطلقي عليه الرصاص في منزله. هل تعتقدين أن كونك إمرأة سهّل عليك مهمة الوصول الى المنزل والقيام بالعملية؟

سهى — نعم بالطبع، أنطوان لحد كان هدفاً أساسياً على القائمة ولكن فكرة هذه العملية كانت أن أكون خارج الهدف عند تنفيذها. كوني امرأة من عائلة مسيحية شكّل عامل قوة بالنسبة لي لبلوغ الهدف، وبما أننا نعيش في مجتمع ذكوري كانت الفكرة السائدة أن إبنة المدينة سهلة المنال، بالإضافة إلى الفوقية التي كان يشعر بها أبناء القرى تجاه أهل المدينة. كان من الكافي أن ألقي التحية على الحارس حتى أدخل من دون أي سؤال أو تفتيش. تركيبة التراتبية السائدة في العالم العربي تشعر الفرد بالدونية، لذا لتجنب كشف السلاح بحوزتي، ألقيت التحية على مسؤول الحارس الذي بدوره كان مهتماً بإرضاء معارف مديره ليبقى ممنوناً منه. قد تبدو هذه الأمور هامشية لكنها مؤثرة جداً.

آلاء — قلت مسبقاً أن المقاومة قراراً وليست إختياراً، وتقولين أثناء مقابلة لك أن الإحتلال ليس وجهة نظر وأننا علينا أن نقاوم بالسلاح. ما هو رأيك بموضوع الحياد في لبنان؟

سهى — لا يمكن أن يعيش الإنسان في بلد محتل ويحاول شرعنة هذا الإحتلال؛ يجب على الاحتلال أن يُقاوم.

هي ليست وجهة نظر ولا توجد مبررات. احتلال البلد يعني أن تكون هويتك محتلة، والحل الوحيد هو مقاومة الإحتلال من أجل التحرير. حالياً، أصبح الإحتلال الإسرائيلي وجهة نظر ويتم تبرير التعامل معه. رغم المآخذ الكثيرة على القانون الدولي وهيئة الأمم، ما زال حق المقاومة بالسلاح حقاً مشروعاً دولياً. عندما يتعلق الموضوع بالهوية والإنتماء، فالمقاومة هي الرد الوحيد، وأعتبر أن أسمى أنواع المقاومة هي أن أنظر أبعد من السلاح الى المقاطعة والعصيان.

آلاء — عملية ما رأيك بموضوع استخدام كلمة ناشط/ة عوضاً عن كلمة مقاوم/ة؟ 

سهى — كلمة “الناشط” لها إطاراً داخلياً من أجل التغيير “مع”، أما بالنسبة للمقاوم، لا  يوجد مساحة لأن يكون “مع”. أنا أقاوم ضد فكرة، عمل، أو وجود معيّن أما الناشط من الممكن أن ينشط مع من قاوم ضدّه وينظّم حراكاً ويبحث عن نقاط تواصل بينهما. نظام كهذا لا يمكن إلا أن تقاومه. أنا ضد التغيير السياسي من خلال العمل المسلح لكن يجب أن نقاوم.  

آلاء — لا تؤمنين بالعنف الثوري؟ 

سهى — لقد أتيت من خلفية نقابية تحمل فكر التغير الثوري ولكن، إذا أتى التغير من الخارج، لا يمكن أن نسمّيه تغيراً، وهو عرضة للمناوشات عندما تقتضي مصالح الدول الخارجية. إذا نظرنا إلى بناء لبنان، نجد أنه أُسّس على تدخلات خارجية وعمل عليها لتحويلها إلى جزء لا يتجزأ من النظام السياسي وبالتالي خلق بلد قابل للتفاعل مع أي شيء على المستوى الداخلي الإقليمي والدولي.  

آلاء — هل تؤمنين بشرط توفر قيادة أو قائد/ة لتحقيق ثورة ما؟

سهى — نعم، أفضّل وجود قيادة دورية منتخبة للثورة دون إحاطتها بهالة القدسية. ففي حال تحوّل القائد إلى شيخ أو كاهن، فإننا سنعود إلى مشكلة الطائفية والمذهبية والفئوية. كما أرى أنّ التربية أساس في أفكارنا حول القيادة، فإنّ إستلام المسؤولية يجب أن يترافق مع فكرة المرحلية. القيادة فترة مؤقتة في حياة المسؤول تضفي صفة الشرعية على مسؤولياته الواجبة، والتي يجب أن تنصب في خدمة الناس. وأؤيد فكرة تحديد الفترة الزمنية لكل مسؤول، فمن غير المعقول أن يُنتخب نفس الشخص مرات عدة وإلاّ ستتحول هذه الممارسة إلى شكل آخر من أشكال الديكتاتورية.

آلاء — ما تعليقك على كارثة انفجار مرفأ بيروت؟

سهى — من الواضح أنّ الفساد متأصّل في كل زاوية من زوايا البلد حتّى خضنا هذه التجربة. كنتُ أتمنى أن ينفجر هذا التراكم عصياناً مدنياً وهو الحل الوحيد الذي يمكن له أو يؤدّي الى إنتاج شيء نحلم به جميعاً. فلنبدأ أقله بإنشاء قضاء مستقل.

المطلوب من القاضي تنفيذ القانون المنصوص. فالقوانين موجودة، لكن  هل نملك جسماً قضائياً قانونياً حقوقياً يلتزم باحترام هذا القانون وتنفيذه؟ الإحترام وحده غير كافٍ إنّما الأساس في التنفيذ الذي يحافظ على ممارسة الواجبات والحقوق من دون الاعتداء عليها، إضافة إلى محاكمة المعتدي.

من غير المعقول أن يقبع الجميع تحت التبعية والإنتماءات الفئوية. يجب أن نتمكّن من تحرير هذا الجسم من الطائفية والسياسة، وهذه هي الطريق الأسهل التي تفرض محاكمة السارق لكنّها تتطلب تضحية قانونيين  قد يهددون بالقتل. 

آلاء — هل تعتقدين أننا نعاني من أزمة في القيم؟

سهى — لقدكلا، نحن نعيش في أزمة نظام لا أزمة قيم. لو بحثتِ  داخل  كل مجموعة، ستجدين الجميع يبحث عن الغذاء والطبابة وتعليم أولاده/ها ويرفضون/ن القتل والسرقة والاعتداء. السؤال هو كيف سمحت هذه الفئات لزعمائها بالتصدق عليها بحقوقها البسيطة والأساسية؟ فهل يعقل أن يدفع المواطن/ة كل من  فاتورة مياه الشرب والكهرباء 3 مرات؟ فضلاً عن أزمة النفايات التي قسّمت طائفياً أيضاً.

التغيير لا يأتي من دون جهد ويمكن تحقيقه من خلال الشباب القاطن في البلد من ناحية، ومن ناحية أخرى، هناك معركة توجبت على العالم العربي ولم يقم بها تُختصر بدور الدين في الدولة. طالما أن هذه المعركة لم تحدث بعد، فالبنية التحتية ستبقى فئوية كما كل الأمور الأخرى مما يؤدي إلى العنصرية. هذه العنصرية التي تظهر في سلوك اللبناني/ة تجاه اليد العاملة الأجنبية.

“لَا يُمْكِنُ أَنْ يَعِيشَ الْإِنْسَانُ فِي بَلَدٍ مُحْتَلّ وَيُحَاوِلُ شَرعنَة هَذَا الإحتلال. يَجِب عَلى الإِحتِلال أَن يُقاوَم. أُفَضِّلُ وُجُودَ قِيَادَة دُورِيَّةً مُنْتَخِبَةً لِلثَّوْرَة دُونَ إحَاطَتِهَا بِهَالَةِ الْقُدْسِيَّةِ. فَفِي حَال تَحَوَّلَ الْقَائِدُ إِلَى شَيْخٍ أَوْ كَاهِن، فَإِنَّنَا سَنَعُودُ إِلَى مُشكِلةِ الطَّائِفِيَّةِ.”